اذن فقد فعلتها، نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي، وهبطت بطائرتها العسكرية في تايبيه عاصمة تايوان، التي تعدها الصين جزء اصيل من ارضها..
هذا الهبوط اثار المزيد من الغضب الصيني، فهي (نانسي) صاحبة تاريخ سيئ مع بكين، وقبل ٣٠ عاما عندما كانت عضوة في النواب الأمريكي شاركت المتظاهرين في ميدان "تيانانمين" في قلب العاصمة الصينية، ورفعت لافتة تكريم لمن سقطوا فيه خلال قمع احتجاجات عام 1989.
وتجاهلت بيلوسي تحذيرات شديدة اللهجة من الصين، ووصلت إلى تايوان، من أجل ما وصفته بـ"دعم حكومتها ولقاء نشطاء يدافعون عن حقوق الإنسان". وتأتي زيارة بيلوسي لتايوان استمراراً لنشاطها المستمر منذ عقود بصفتها منتقدة لحكومة بكين، لا سيما في ما يتعلق بالقضايا الحقوقية. كما سلطت الزيارة الضوء على قدرة الكونجرس بالتحرك بشكل اكبر واتخاذ مواقف أكثر صرامة من البيت الأبيض في التعامل مع القضايا الخارجية.
الصين تعتبر أن زيارات مسؤولين أميركيين لتايوان تبعث بإشارات تشجيع للمعسكر المؤيد للاستقلال في الجزيرة. وهي تري أن تايوان جزء من أراضيها، ولم تستبعد أبداً اللجوء للقوة لإخضاع الجزيرة لسيطرتها. وترفض تايوان مزاعم السيادة الصينية، وتقول إن شعبها فقط هو الذي يقرر مستقبلها.
قبل الزيارة المثيرة للجدل هددت الصين بخطوات تصعيدية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، إن الزيارة ستؤدي إلى "تطورات وعواقب خطرة للغاية".
ورغم ان المحللين شككوا في جدوي التهديدات الصينية، الا انه بحسابات المكسب والخسارة، فان بكين قد خسرت استراتيجيا، بل يمكن القول ان رد الفعل بكين الذي لم يتخطى التدريبات العسكرية حول الجزيرة كان كاشفا لقدرة الصين المحدودة في التحرك ضد الهيمنة الامريكية..
وأقصي ما قامت به بكين كان فرض "عقوبات" على رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وأفراد أسرتها المباشرين، رداً على ما وصفته بأفعالها "الخبيثة" و "الاستفزازية" على خلفية زيارتها إلى تايوان.
في وقت يودع فيه العالم النظام احادي القطبية الذي ظل راسخا ما يقرب من أربعة عقود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كان الجميع يعتقد ان الصين هي احدي تلك القوي التي سيكون لها نصيب كبير في ارث الولايات المتحدة، علي الأقل في منطقة جنوب غرب اسيا، واعتقد البعض ان زيارة بيلوسي لتايوان ستكون كاشفة لقدرة بكين علي التصدي للخطط الامريكية، بل انها ستكون فرصة للصين بالإعلان عن نفسها كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية مستعدة للعب دورها الجديد في العالم، علي غرار الموقف الروسي في أوكرانيا، الا ان ردود الفعل الباهتة من جانب الصين اتي بنتائج كارثية، وأعاد الصين خطوات الي الوراء، فبرغم من كل التهديدات الصينية استكملت بيلوسي زيارتها التي امتدت الي يومين، ونجحت الأخيرة في تفريغ كل التهديدات من محتواها، وأوضحت للعالم كله ان القوة الاقتصادية منفردة مهما بلغ عظمتها سواء بالأرقام او الانتشار يمكن محاصرتها وعزلها طالما لا يوجد لها غطاء عسكري تم اختباره سابقا واثبت نجاعة.. والامثلة كثيرة علي ذلك فهناك المانيا الموحدة في أوروبا ، واليابان في اسيا وكلاهما يمتلكان كل المقومات الاقتصادية المتنامية الا ان تبقي مجرد ارقام طالما لا يوجد من يحميها.
صحيح أن الصين اطلقت 11 صاروخاً بالستياً في محيط تايوان، الا ان واشنطن اعتبرته مجرد "رد فعل مبالغ فيه" على زيارة بيلوسي، وكأن واشنطن لها " لا عزاء لبكين".